من حديث عمار ابن ياسر: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدعو به "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحينى ما علمت الحياة خيرا لى، وتوفنى إذا كانت الوفاة خيرا لى، وأسألك خشيتك فى الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق فى الرضى والغضب، وأسألك القصد فى الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك فى غير ضراء مُضِرَّة، ولا فتنة مضلة. اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين". ولما كان كمال العبد فى أن يكون عالما بالحق متبعا له معلماً لغيره، مرشدا له قال:"واجعلنا هداة مهتدين". ولما كان الرضى النافع المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لا قبله، فإن ذلك عزم على الرضى، فإذا وقع القضاء انفسخ ذلك العزم، سأل الرضى بعده، فإن المقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبل وقوعه والرضى بعد وقوعه. فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما، كما فى المسند وغيره عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:"إن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله، وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله، وسخطه بما قضى الله تعالى". ولما كانت خشية الله عز وجل رأس كل خير فى المشهد والمغيب، سأله خشيته فى الغيب والشهادة. ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق فى رضاه، فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل، وقد يدخله أيضاً رضاه فى الباطل، سأل الله عز وجل من توفيقه لكلمة الحق فى الغضب والرضى. ولهذا قال بعض السلف: لا تكن ممن إذا رضى أدخله رضاه فى الباطل، وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق. ولما كان الفقر والغنى محنتين وبليتين، يبتلى الله بهما عبده. ففى الغنى يبسط يده، وفى الفقر يقبضها، سأل الله عز وجل القصد فى الحالين، وهو التوسط الذى ليس معه إسراف ولا تقتير. ولما كان النعيم نوعين: نوعا للبدن، ونوعا للقلب، وهو قرة العين، وكماله بدوامه واستمراره، جمع بينهما فى قوله "أسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع". إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان/ بن القيم.