رمضان و الصدقة: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة... وقد قال ﷺ : «أفضل الصدقة صدقة في رمضان ...» [أخرجه الترمذي عن أنس]. روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله ﷺ أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله ﷺ : «ما أبقيت لأهلك» قال: فقلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال رسول الله ﷺ : «ما أبقيت لهم» قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا. وعن طلحة بن يحيى بن طلحة، قال: حدثتني جدتي سعدي بنت عوف المرية – وكانت محل إزار طلحة بن عبيد الله – قالت: دخل علي طلحة ذات يوم وهو خائر النفس، فقلت: ما لي أراك كالح الوجه؟ وقلت: ما شأنك أرابك مني شيء فأعينك؟ قال: لا؛ ولنعم حليلة المرء المسلم أنت. قلت: فما شأنك؟ قال: المال الذي عندي قد كثر و أكربني، قلت: ما عليك، اقسمه، قالت: فقسمه حتى ما بقي منه درهم واحد، قال طلحة بن يحيى: فسألت خازن طلحة كم كان المال؟ قال: أربعمائة ألف. فيا أخي، للصدقة في رمضان مزية وخصوصية فبادر إليها، واحرص على أدائها بحسب حالك، ولها صور كثيرة منها: أ- إطعام الطعام: قال الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا [الإنسان: 8-12]. فقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. قال رسول الله ﷺ : «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل الناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني] وقد قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل. وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وداود الطائي ومالك بن دينار وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه، فلم يفطر في تلك الليلة. وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم الحسن وابن المبارك. قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه. وعبادة إطعام الطعام ينشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم، فيكون ذلك سببًا في دخول الجنة: «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا» كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك. ب- تفطير الصائمين: قال ﷺ : «من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» [أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني] وفي حديث سلمان: «من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، فقالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله ﷺ : يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة».