يا أيها القراء: إنكم أغنياء ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها زهداً فيها واحتقاراً لها .. يصاب أحدكم بصداع أو مغص أو بوجع الضرس فيرى الدنيا سوداء.. فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً بيضاء مشرقة ؟ ويُحمَى عن الطعام ويُمنع منه فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها، فلماذا لم يعرف لها لذَّتَها قبل المرض؟ لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا؟ ... يا سادة: لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهباً كثيراً ؟ أليس البصر من ذهب والصحة من ذهب والوقت من ذهب؟ فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا؟ لماذا لا نعرف قيمة الحياة؟ العلامة ابن عابدين كان يطالع دائماً، حتى إنه إذا قام إلى الوضوء أو قعد إلى الأكل أمر من يتلو عليه شيئاً من العلم، فألَّف (الحاشية) . والسرَخْسي أملى وهو محبوس في الجُب كتابه (المبسوط) أجلَّ كتب الفقه في الدنيا . وأنا أعجب ممن يشكو ضيق الوقت، وهل يُضيِّق الوقت إلا الغفلة أو الفوضى ؟!! انظروا كم يقرأ الطالب ليلة الامتحان، تروا أنه لو قرأ مثله - لا أقول كل ليلة - بل كل أسبوع مرةً لكان علَّامة الدنيا ... فيا سادة: إن الصحة والوقت والعقل كل ذلك مال، وكل ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد . وملاك الأمر كله ورأسه الإيمان ... وأن تنظر إلى من هو دونك فإنك مهما قلَّت مرتبتك وساءت حالك أحسن من آلاف من البشر ... وأنت أحسن عيشة من عبد الملك بن مروان وهارون الرشيد، وقد كانا ملِكَي الأرض . فقد كانت لعبد الملك بن مروان ضرس منخورة تؤلمه حتى ما ينام منها الليل، فلم يكن يجد طبيباً يحشوها ويلبسها الذهب، وأنت لا تؤلمك ضرسك حتى يقوم في خدمتك الطبيب . وكان الرشيد يسهر على الشموع ويركب الدواب والمحامل، وأنت تسهر على الكهرباء وتركب السيارة، وكانا يرحلان من دمشق إلى مكة في شهر، وأنت ترحل في أيام أو ساعات . فيا أيها القراء: إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها.
2014-04-18 12:48:08
يا أيها
sign in to comment
Be the first to comment