لا تنتظر شكراً من أحد: -------------------------- خلق اللهُ العباد ليذكروه ورزق اللهُ الخليقة ليشكروهُ ، فعبد الكثيرُ غيرَه ، وشكرَ الغالبُ سواه ، لأنَّ طبيعة الجحودِ والنكرانِ والجفاءِ وكُفْرانِ النِّعم غالبةٌ على النفوس، فلا تُصْدمْ إذا وجدت هؤلاءِ قد كفروا جميلك ، وأحرقوا إحسانك ، ونسوا معروفك ، بل ربما ناصبوك العِداءَ ، ورموك بمنجنيق الحقدِ الدفين ، لا لشيء إلا لأنك أحسنت إليهم ﴿ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أغنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ وطالع سجلَّ العالمِ المشهود ، فإذا في فصولِهِ قصةُ أبٍ ربَّى ابنه وغذّاهُ وكساهُ وأطعمه وسقاهُ ، وأدَّبهُ ، وعلَّمهُ ، سهر لينام ، وجاع ليشبع ، وتعِب ليرتاح ، فلمَّا طرَّ شاربُ هذا الابن وقوي ساعده ، أصبح لوالدهِ كالكلبِ العقورِ ، استخفافاً ، ازدراءً ، مقتاً ، عقوقاً صارخاً ، عذاباً وبيلاً . ألا فليهدأ الذين احترقت أوراقُ جميلِهم عند منكوسي الفِطَر ، ومحطَّمي الإراداتِ ، وليهنؤوا بِعِوَض المثوبةِ عند من لا تنفدُ خزائنُه . إن هذا الخطاب الحارَّ لا يدعوك لتركِ الجميلِ ، وعدمِ الإحسانِ للغير ، وإنما يوطِّنُك على انتظار الجحودِ ، والتنكرِ لهذا الجميلِ والإحسانِ ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون. اعمل الخير لِوجهِ اللهِ ؛ لأنك الفائزُ على كل حالٍ ، ثمَّ لا يضرُّك غمْطُ من غمطك ، ولا جحودُ من جحدك ، واحمدِ الله لأنك المحسنُ ، واليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ﴾ . . . لا تُفاجأ إذا أهديت بليداً قلماً فكتب به هجاءك ، أو منحت جافياً عصاً يتوكأ عليها ويهشُّ بها على غنمهِ ، فشجَّ بها رأسك ، هذا هو الأصلُ عند هذهِ البشريةِ المحنّطةِ في كفنِ الجحودِ مع باريها جلَّ في علاه ، فكيف بها معي ومعك ؟! . من كتاب: (لا تحزن) عائض القرني
2014-04-18 08:26:08
لا تنتظر
sign in to comment
Be the first to comment