يقول الشيخ محمد الغزالي: -------------------------------- وقد رأيتُ فى حديثٍ نبوي واحد استعاذةً من جُمْلة عِللٍ نفسية تَهبط بقيمة الإنسان وإنتاجه، وتَحُول بين الشعوب وبين أيَّةِ مكانةٍ مرموقة .. والحديث كما صح فى المأثورات: "اللهم إنى أعوذ بك من الهمِّ والحَزَن .. وأعوذ بك من العجز والكسل .. وأعوذ بك من الجبن والبخل .. وأعوذ بك من غَلَبة الدَّيْنِ وقهر الرجال " ثمانيةُ أدْوَاء هي فروعٌ من شجرةٍ خبيثةٍ تستحقُّ القطع؛ لأن واحداً منها يجلب الضُرّ فكيف بها مجتمعة؟! . وننظر على عَجل إلى كُلِّ واحدٍ من هذه الثمانية: أولها: (الهمّ) .. وهو انشغال القلب بما يثير الكآبة دون قدرة على ردِّه .. والمهموم يواجه الحياة ببعض قواه؛ لأن البعض الآخر مقيَّد أو مغلول. والثانى: (الحزن) .. وهو انهزام النفس أمام ألمٍ غالب، واستقبال الحياة كأنها خريف دائم .. والمحزون سجينُ يأسِهِ وقعيدُ مآسيه، وقلَّما ينهض بعمل كبير. والثالث والرابع: (العَجْزُ والكسل) .. وهما فيما رأيت من آفات العالم الثالث، ترى الرجل يَخْرجُ العملُ من بين أصابعه شائِهاً مقبوحاً وكان يستطيع إتمامَه وتحسينَه .. وربما فكَّر في صلاة الاستسقاء والماءُ إلى جواره على مدى سهم .. وقد رأيتُ من يجلس واضعاً قدماً على أخرى قريباً من قُمامةٍ لا يفكِّر فى إزالتها .. أو تتساقط المياه حوله من حنفيةٍ معطوبةٍ فلا يفكر فى إصلاحها!! إنها بَلادةٌ تنشأ في نفس الفرد ثم تنمو فى أرجاء البيئة فإذا أُمَمٌ فقيرةٌ تعيش فوق أرضٍ خصبة .. أو أُمَمٌ محجوبة الرؤية يطرق أبوابَها الأجانبُ ليستخرجوا من تُرْبَتها أنواعَ المعادن السائلة والجامدة . والخامس والسادس: (الجبن والبخل) .. وهما آفتان متلازمتان، فالضنين (أي: البخيل) بماله لا يجود بروحه، أو الجواد بنفسه لا يبخل بماله .. وكلا الرجلين لا يذوق طعم الحياة الرفيعة ..وكيف يتأَتَّى هذا المذاق لجبانٍ يعتذر عن هروبه بهذا الكلام: لَأَنْ يُقال: فرَّ لعنه الله خيرٌ من أن يقال: مات رحمه الله .. أو لبخيلٍ يحضن ثروته بإراقة حيائه وابتذال نفسه؟!. والسابع والثامن: (غلبةُ الدَّيْن وقَهْر الرجال) .. ونحبُّ التنبيه إلى أن الاستدانة لأيِّ رغبةٍ عارضةٍ مع العجز عن الوفاء لونٌ من السرقة؛ فإن السارق يتناسى حقوق الآخرين فى أموالهم ولا يذكر إلا إشباع نَهْمَتِه الخاصة .. وكذلك كل من يستدين لغير سببٍ معقول. أما (قهر الرجال) .. فبلاءٌ يُنَغِّصُ حياةَ الشرفاء، ويرون الموتَ دونه .. ومِنْ نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أن يرى عدواً له ما من صداقته بُدُّ . صلوات الله على صاحب الرسالة الهادية الشافية . من كتاب: (الحق المر)