سأل أحدُهم الحسنَ البصري عن الدنيا وحالها .. فقال: فماذا أصف لك من دارٍ أوَّلُها عَنَاء .. وآخرُها فناء في حلالها حساب .. وفي حرامها عقاب من استغنى فيها فُتِن .. ومن افتقر فيها حزن وسأله أحدهم عن حاله وحال الناس فقال: وَيْحَنا ماذا فعلنا بأنفسنا ؟! لقد أهزلنا ديننا وسمَّنَّا دنيانا يتَّكِئ أحدنا على شماله .. ويأكل من مالٍ غيرِ ماله طعامه غَصْب يدعو بحلوٍ بعد حامض وبحارٍّ بعد بارد وبرطبٍ بعد يابس حتى إذا أخذته الكُظَّة تجشأ من البَشَم (الكُظَّة: الضيق والألم بعد الامتلاء من الطعام _ تجشأ: أي أخرج ريحاً من فمه مع صوت من شدة الشبع _ والبشم: التخمة) ثم قال: يا غلام .. هاتِ هاضوماً يهضم الطعام !! يا أُحَيْمِق !! والله لن تهضم إلا دينَك .. أين جارُك المحتاج ؟!! أين يتيمُ قومك الجائع ؟!! أين مسكينُك الذي ينظر إليك ؟!! أين ما وصَّاك به الله عز وجل ؟!! ليتك تعلم أنك عدد .. وأنه كلما غابت عنك شمسُ يومٍ نقص شيءٌ من عَدَدِك ومضى بعضٌ منه من كتاب (صور من حياة التابعين) عبد الرحمن رأفت باشا